و.ض.أ / الكويت / رياض نعيم العواد
أحب أبناء شعبه فأحبوه… ورؤيته الاقتصادية كانت شاملة لنهضة الكويت حينما تقلد وزارة المالية بدأت البلاد عهداً جديداً من التطور والازدهار بمختلف الميادين مهندس الاستثمار الكويتي واعتماد موارد أخرى للدخل غير النفط من أبرز إنجازاته إنشاء ديوان المحاسبة وتأسيس صندوق الأجيال والبنك المركزي أنشأ ميناء الشويخ و«البترول الوطنية» ومحطة لتكرير وتحلية مياه البحر نظم «التأمينات» للأسرة الكويتية وصرف المعاشات التقاعدية للموظفين
إن عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن، هو عمر إنسان يطول أو يقصر.. ولكن الأبقى هو عمر الكويت، والأهم هو بقاء الكويت، والأعظم هو سلامة الكويت»… بهذه الكلمات الموجزة والمعبرة في معناها اختزل «أمير القلوب» الشيخ جابر الأحمد أمير البلاد الراحل طيب الله ثراه عشقه لهذا الوطن وخوفه عليه.
وفي ذكرى رحيله الـ14 نستحضر روح كلماته، فنستلهم منها القوة والثبات على حب هذه الارض والتفاني في خدمتها.
فقد فجع أهل الكويت في 15 يناير العام 2006 بخبر أليم اعتصر قلوبهم كباراً وصغاراً، حيث فقدوا رجلاً لطالما أحبهم وعمل من أجل رفعة وطنهم فبادلوه الحب والعمل حتى غدت الكويت «عروساً للخليج».
وتولى المغفور له الشيخ جابر الأحمد مقاليد الحكم في البلاد في 31 ديسمبر العام 1977 بعد وفاة سلفه الشيخ صباح السالم الصباح، الابن الثالث للشيخ أحمد الجابر الصباح والحاكم الـ13 للكويت منذ تأسيسها قبل أكثر من قرنين من الزمان.
وقد بزغ نجم الشيخ جابر الأحمد منذ توليه أولى مهامه الادارية والسياسية في البلاد العام 1949، عندما عيّنه والده حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح نائباً له في مدينة الأحمدي، حيث برزت جهوده وعقليته المنظمة في الاهتمام بالتخطيط العمراني المميز للمدينة الى جانب اهتمامه بحفظ الأمن وبناء علاقات مميزة مع شركات النفط.
وعلى مدى عشر سنوات من العمل في محافظة الأحمدي، تبلورت لدى المغفور له الشيخ جابر الأحمد رؤية اقتصادية شاملة لنهضة الكويت ظل يعمل على تحقيقها طوال حياته الزاخرة.
وأدرك حكام الكويت ممن سبقوه تميّز فكر هذا الشاب لاسيما في المجال الاقتصادي ونظرته المستقبلية للأمور التي تنبع من حبه للكويت وأهلها وحرصه الدائم على توفير سبل العيش الكريم لهم.
وعهد إلى الأمير الراحل بمهمة إدارة دائرة المال والاملاك العامة للدولة، إضافة الى مسؤوليته عن مكتب شؤون النفط والاسكان العام 1959، إذ بدأ في عملية تثمين البيوت بأعلى الأثمان ليستفيد المواطن ولتبدأ الكويت نهضة عمرانية شاملة.
وفي العام نفسه، عيّن المغفور له الشيخ جابر الأحمد أيضاً رئيساً لمجلس النقد الكويتي حيث عمل جاهداً على صدور أول عملة كويتية بعد الاستقلال والتي صدرت في 1 ابريل 1961 لتحمل صورة أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم وتوقيع سمو الشيخ جابر الأحمد رحمهما الله.
وفي ثاني تشكيل وزاري في كويت ما بعد الاستقلال الذي شكل في 28 يناير 1963، عين الشيخ جابر الأحمد نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للمالية والصناعة، لتبدأ البلاد منذ ذلك اليوم عهداً جديداً من التطور والازدهار السريع في مختلف الميادين، لا سيما الاقتصادية، بفضل إرادته وإصراره على بناء كويت حديثة يشار لها بالبنان.
وعمل رحمه الله خلال تلك المرحلة على إنجاز العديد من المشاريع المهمة، كتأسيس ميناء الشويخ وإنشاء محطة تكرير مياه البحر وتأسيس شركة البترول الوطنية الكويتية.
كما كان سموه مهندس الاستثمار الكويتي حيث أسهم بنظرته الثاقبة في وضع مبادئ الاستثمار الاساسية لفوائض البلاد النقدية من مبيعات النفط ساعيا الى توسيع القاعدة الاقتصادية الضيقة للكويت باعتماد موارد أخرى غير النفط.
ومن هذا المنطلق جاء إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي العام 1950 الذي تطور على يده من مكتب صغير يعمل فيه 11 موظفاً العام 1965 الى هيئة عامة للاستثمار تشرف على صندوق الاحتياطي العام وصندوق احتياطي الاجيال وجميع الاستثمارات الكويتية الهائلة في الخارج.
ولعل إنشاء ديوان المحاسبة يعد من أبرز إنجازات الأمير الراحل التي ما زالت صرحاً شامخاً إلى اليوم، فقد حرص منذ اللحظات الاولى لانشاء ديوان المحاسبة العام 1964 على متابعة كل ما يقع تحت مسؤولياته من مهام وفقا لما حدده الدستور والقانون لاسيما ما يتعلق بالاستثمارات الكويتية في الخارج.
وواصل الأمير الراحل العمل في منصبه وزيرا للمالية حتى 30 نوفمبر 1965، حينما اختاره الشيخ صباح السالم ليكون رئيسا لمجلس الوزراء. وفي 31 مايو 1966 بويع من مجلس الأمة وليا للعهد بعد تزكية الأمير له.
ولم تتوقف طموحات المغفور له الشيخ جابر الأحمد وانجازاته بعد توليه تلك المسؤولية الجسيمة بل زاده ذلك إصرارا وعزيمة على تحقيق المزيد من النجاحات في مسيرة التقدم الاقتصادي للكويت.
ومن ابرز انجازاته خلال فترة ولايته للعهد التي لن ينساها الكويتيون، جيلا بعد جيل تلك الفكرة العظيمة والرائدة على مستوى الوطن العربي ككل، إنشاء صندوق احتياطي الاجيال القادمة.
وبرهنت الاحداث على مدى صواب هذه الفكرة العظيمة وبعد نظره، حيث شكلت أموال صندوق احتياطي الاجيال الركيزة الأساسية التي مكنت القيادة السياسية الكويتية، خلال فترة الاحتلال العراقي الغاشم عام 1990 من دعم ابناء الكويت في الداخل والخارج والمساهمة الفعالة في تحرير الكويت واعادة الاعمار.
وكان للاسرة الكويتية نصيب كبير في اهتمامات المغفور له فقد صدر القانون (رقم 61 لسنة 1976)، الذي نظم عملية التأمينات الاجتماعية في البلاد وكفل معاشا تقاعديا لجميع العاملين في القطاعين الحكومي والخاص والقطاع النفطي بمختلف فئاتهم وحالاتهم محققا بذلك حالة عامة من الشعور بالاستقرار والامان للموظف الكويتي.
وكان إنشاء بنك مركزي في الكويت أحد تطلعات الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد منذ أن كان وزيرا للمالية ليقوم بمهمة تنظيم سياسة النقد الكويتي الذي تحقق بافتتاح المقر الجديد للبنك في أبريل 1977 لتبدأ الكويت مرحلة جديدة في بناء اقتصاد راسخ وثابت.
وبعد وفاة الأمير الشيخ صباح السالم، أصبح الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أميرا للبلاد في 31 ديسمبر 1977 حيث شهدت الكويت في عهده نقلة كبيرة على مختلف الصعد.