بقلم: أحمد السالم ـ أربيل
الموصل – في يوم تاريخي سيُسجَّل في ذاكرة العراق والعالم، شهدت مدينة الموصل إعادة افتتاح جامع النوري الكبير ومنارته الحدباء، إلى جانب كنيسة الطاهرة، بعد سنوات من الدمار الذي خلّفه تنظيم داعش الإرهابي. وقد حضر الاحتفال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين العراقيين وممثلين عن المجتمع الدولي والدول الداعمة لجهود إعادة الإعمار.
جامع النوري الكبير، الذي شُيّد عام 1172م في عهد نور الدين زنكي، شكّل لأكثر من ثمانية قرون رمزاً حضارياً وروحياً للمدينة. منارته الحدباء، المائلة الشهيرة، ارتبطت وجدانياً بأجيال من الموصليين حتى غدت علامة فارقة لهوية الموصل. لكن في عام 2017، فجّر تنظيم داعش الجامع والمنارة في محاولة لطمس الذاكرة التاريخية ومحو الانتماء من نفوس أهل المدينة.
ولم تكن كنيسة الطاهرة الكلدانية في قلب الموصل أوفر حظاً، إذ تعرضت هي الأخرى لاعتداءات التنظيم خلال فترة سيطرته، لتتحول إلى شاهد آخر على الألم. غير أنها، مثل جامع النوري، بقيت جزءاً راسخاً من هوية الموصل التعددية التي تجمع المسلمين والمسيحيين عبر قرون من التعايش.
منذ عام 2018، انطلقت أعمال إعادة الإعمار بقيادة عراقية وبدعم مباشر من منظمة اليونسكو، إلى جانب دول ومنظمات عالمية رأت في الموصل رمزاً مشتركاً للتراث الإنساني. وبعد سبع سنوات من العمل المتواصل، اكتمل المشروع ليعيد الحياة إلى هذه المعالم التاريخية.
وخلال حفل الافتتاح، ارتفع الأذان من مئذنة الحدباء فيما دقّت أجراس كنيسة الطاهرة، في مشهد مؤثر عبّر عن وحدة المدينة وتنوعها الديني والثقافي. وقد أكد رئيس الوزراء العراقي في كلمته أن هذا الإنجاز “لا يخص الموصل وحدها، بل هو رسالة إلى العالم بأن العراق انتصر على الإرهاب وأعاد بناء ما حاولت قوى الظلام هدمه.”
كما شدد ممثلو اليونسكو والدول الداعمة على أن ما تحقق في الموصل يشكل نموذجاً عالمياً للتعاون بين الشعوب في حماية التراث الإنساني، وإعادة الأمل لمجتمعات دفعت ثمناً باهظاً للإرهاب.
إعادة افتتاح جامع النوري وكنيسة الطاهرة اليوم ليست مجرد عودة للأحجار والزخارف، بل هي عودة للروح العراقية، وإعلان بأن الحضارة أقوى من التدمير، وأن التعايش أقوى من الكراهية. الموصل، التي عُرفت عبر تاريخها بأنها منارة للعلم والدين والثقافة، تقول اليوم للعالم: “لقد حاولوا أن يطفئوا نورنا، لكننا عدنا أكثر إشراقاً.”
Share