الرئيسية » تقارير » تطبيق العلاقات التركية الإسرائلية على إيقاع صراعات المنطقة

تطبيق العلاقات التركية الإسرائلية على إيقاع صراعات المنطقة

و.ض.أ/ سركيس ابو زيد

بعد التفجير الذي أودى بحياة إسرائيليين في اسطنبول مؤخراً، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إرسال رسالة تعزية إلى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، متضامناً معه ومعرباً عن رغبته في “التوحد في النضال ضد الإرھاب”، وفي المضي قُدماً في تطبيع العلاقات بينهما.

وضمن هذا الإطار جاءت جولة المحادثات التركية -الإسرائيلية في لندن التي تحقق فيھا تقدم كبير. وقد نتج عنها زيارة المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد إلى اسطنبول، ولقاءه نظيره التركي فريدون سينيرلي أوغلو، الذي ترأس الجانب التركي في محادثات المصالحة مع إسرائيل. وتبعه إعلان أردوغان أن:” ممثلي دولته وإسرائيل سيلتقون في منتصف أيار لإتمام اتفاقية المصالحة والتطبيع بين الطرفين.” وأوضح أن:” تركيا وإسرائيل تناقشان أمر إنشاء سلسلة طويلة من المشاريع الإنسانية في غزة في قطاعي الكھرباء والماء كجزء من المفاوضات لتطبيع العلاقات وتحقيقاً للشرط التركي في رفع الحصار عن غزة.”
وتشير مصادر متابعة لمسار المفاوضات التركية – الاسرائيلة الى أن نقطة الخلاف الرئيسية بين الوفدين لتحقيق المصالحة، هو الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة من جھة، ووجود حركة حماس في تركيا من جھة أخرى. حيث تطالب اسرائيل تركيا بوقف نشاط حماس على أراضيھا. وتشكل مسألة حماس وغزة جانباً حساساً في العلاقة، ليس فقط بين إسرائيل وتركيا، وإنما في مثلث العلاقة الإسرائيلية – التركية- المصرية.

مصادر مطلعة تشير الى ان الفيتو المصري على المصالحة التركية – الإسرائيلية ليس ھو الفيتو الوحيد المأخوذ بالحسبان في تل أبيب. فإلى جانب ذلك، ھناك الفيتو الروسي الذي لا يقل أھمية، وربما يزيد عن ذلك . فروسيا تعارض التعاون الإسرائيلي مع تركيا في ميادين السياسة والطاقة، وخصوصاً الغاز، ولكن أيضاً بسبب ما يجري في سوريا. وحسب ھذه المصادر، فإنه رغم الأھمية التي توليھا المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للمفاوضات مع تركيا، إلا أن القرار لن يتخذ في تل أبيب من دون التشاور مع الرئيس المصري. وأوضحت أن إسرائيل عززت مؤخراً التنسيق الأمني مع مصر، وأن للسياسة المصرية دوراً كبيراً جداً في الضغط الممارس على حماس، في وقت لا ترغب إسرائيل في تصدع منظومة العلاقات ھذه مع القاھرة.

وتوضح المصادر أن اسرائيل على قناعة بأن تركيا تريد الاتفاق. لكن يبدو ان تل ابيب لم تعد في عجلة من أمرھا. ويعود ذلك إلى أن إسرائيل مترددة حول أيھما الأفضل لھا: التنسيق الاستراتيجي مع مصر، أم استئناف الطلعات الجوية العملياتية في سماء تركيا. ولاحظت أن ما يزيد الوضع تعقيداً لإسرائيل، ھو الصراع القائم علناً بين أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسبب حرب الأخير على “الإخوان المسلمين”، فيما تحاول السعودية إصلاح العلاقة بين مصر وتركيا، وروسيا لا تريدھا أصلا .

بينما يرى مراقبون أن التقارب التركي الاسرائيلي في هذا الوقت، يعود إلى مصالح استراتيجية جيوسياسية واقتصادية مشتركة. فبرغم التنافر الذي يبدو أحياناً في تصريحات مسؤولين إسرائيليين وأتراك، فإن الإدارة الأميركية من جھة، والقوى المصلحية النافذة في الدولتين من جھة أخرى، تدفع إلى التقارب. الأمر الذي انعكس مؤخراً إلى تحسن كبير على العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وقاد إلى عودة السياح الإسرائيليين بمجموعھم إلى تركيا رغم تفجيرات اسطنبول. كما أن شركات المقاولات التركية تلعب دوراً رئيسياً في قطاع البناء في اسرائيل التي تحاول تقليص تكاليف البناء وبالتالي أسعار الشقق الجديدة.

تتردد في تل أبيب أنباء حول تخطيط “داعش” لتنفيذ عمليات مسلحة في مرافق إسرائيلية ومعابد يھودية في إسطنبول وغيرھا من البلدات التركية، وفي مدن أوروبية. وبالفعل قامت إدارة الامن التركية بإبلاغ تل أبيب أن الأشخاص الذين كلفوا بھذه المھمات، معتقلون لدى المخابرات في أنقرة، وأن قوات كبيرة من الشرطة التركية، تحرس كل تلك المرافق.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد اعترف معتقلو داعش خلال التحقيق معھم، بأن قيادة التنظيم في سوريا والعراق، اتخذت قرارھا بإطلاق عمليات ضد الكنس اليھودية والمدارس ومراكز الشبيبة وحدائق الأطفال اليھودية في تركيا. وجاء في الاعترافات ان أحد الأھداف المركزية ، كان كنيس “نافيه شالوم” في حي بيولو في إسطنبول، حيث يوجد أيضا مركز جماھيري ومدرسة يھودية. اما سبب هذا التوجه الجديد من نشاط “داعش”، فمرده الى تعرض التنظيم الارهابي لانتقادات شديدة حتى داخل صفوف مؤيديه، لامتناعه، حتى الآن، عن توجيه أي ضربة إلى إسرائيل.

هذا التحول لداعش في استهداف المرافق الاسرائيلية في تركيا، ووفقا لمصادر تل أبيب، دفع مسؤول في المخابرات التركية إلى أن يخبر نظراءه الإسرائيليين أن :”الاستعداد يفوق حالة التأھب القصوى الحالية التي اتخذتھا شرطة تركيا”. وبناء لذلك أرسلت تل أبيب رجال أمن إلى تركيا لتعزيز الحراسة. ويتضح أيضاً أن التعليمات التي أصدرھا طاقم مكافحة الإرھاب في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالامتناع عن الدخول بالمطلق إلى تركيا، ودعوة المواطنين الموجودين في الدولة إلى الخروج منھا، تعود إلى ھذه الأنباء الآتية من أنقرة.

الأمر الذي انعكس سلباً على القطاع السياحي الذي يعد ركناً اساسياً في الاقتصاد التركي، والذي مُني مؤخراً بخسائر فادحة نتيجة الخضات الأمنية والضربات الارهابية المتنقلة في البلاد. فإسرائيل لم تكن وحدها التي حذرت موطنيها من السفر الى تركيا، حتى الجارة الايرانية شهدت مؤشرات سلبية تجاه زيارة مواطنيها لتركيا .

وقبل إيران دعت روسيا مواطنيھا الى عدم زيارة تركيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية عند الحدود السورية التركية الخريف الماضي، مع العلم أن ما يقارب ثمانية ملايين روسي يزورون تركيا سنويا…
تأتي هذه الضربات للقطاع السياحي في وقت حرج سياسياً لأنقرة التي تواجه خطر “داعش” وخطر عودة الحرب الأھلية بين الجيش وحزب العمال الكردستاني. اضافة الى إعلان أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة تنحيه عن منصبه.

من الواضح اذن ، أن تركيا ماضية في سياستها الداخلية والخارجية، التي كبدت اقتصادها خسائر كبيرة تتجاوز الارقام المعلنة، فأردوغان ماضٍ في تجديد العلاقة مع تل أبيب مع العلم ان العلاقات بينهما لم تنقطع منذ 1949 عندما اعترفت انقرة بإسرائيل كدولة. صحيح ان بعض التوترات وتبادل الاتهامات برزت بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الا ان التقارب بينهما فرضته الظروف الاقليمية وخصوصا ما يجري في سوريا استدعى نوعاً جديدا من الاستراتيجيات غير الثابتة تبعاُ لإيقاعات المعارك الدائرة فيها، ورغبة اللاعبين الاقليميين في أن تكون لكل منهم الحصة الكبرى في المصالح الاقتصادية والسياسية على طاولة المفاوضات .

3efecbce-2211-49ce-95cf-7e97cb6f31ad

Share