و.ض.أ / بغداد / خاص
اكد الخبير الاقتصادي أسعد الربيعي ان جذور ازمة المياه تعود إلى مشروع “الغاب” التركي الذي انطلق منذ عقود، وهو مشروع ضخم تضمن إنشاء 22 سداً على نهري دجلة والفرات كان أبرزها سد أتاتورك القريب من الحدود السورية.
ويشير الربيعي إلى أن السدود التركية لم تنشأ لأغراض الاستصلاح الزراعي فحسب، بل تحولت إلى أداة ضغط سياسي على العراق وسوريا، إذ يحتجز سد أتاتورك وحده خلفه بحيرة صناعية تزيد مساحتها على 800 كيلومتر مربع. ويرى أن هذا الواقع فرض على العراق تحديات مستمرة في ملفِّ المياه، وجعل منه رهينة لإرادة دول المنبع.
ويضيف الربيعي أن الحكومة تعمل حالياً بخطوات عملية على الأرض، مشيراً إلى أن الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للمياه برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خرج بقرارات متوازنة تراعي حجم الأزمة. فقد تقرر عقد اجتماع موسع برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وبحضور الوزراء ورؤساء الدوائر المعنية لرسم خطة شاملة للتحرك السياسي والدبلوماسي مع تركيا وإيران وسوريا، بالتوازي مع وضع تعليمات داخلية لتعديل الخطة الزراعية بما يتلاءم مع واقع الجفاف. ويرى أن هذه الخطوات تؤشر لأول مرة وجود رؤية متكاملة تسير على خطوط متوازية بين السياسي والاقتصادي والفني.
ويشدد الربيعي على أن الأزمة لا يمكن تجاوزها من دون معالجة ملف الهدر المائي، الذي يبدأ من الاستخدام المنزلي للمواطن ولا ينتهي عند غياب حملات التوعية الرسمية. ويرى أن ترشيد الاستهلاك وإيقاف الهدر يمثلان الخطوة الأولى لمواجهة الخطر القادم. كما يلفت إلى أن المجلس الأعلى للمياه اتخذ قرارات مهمة بتوجيه الزراعة نحو محاصيل قليلة الاستهلاك للمياه ودعم المزارعين في استخدام تقنيات حديثة مثل الري بالتنقيط والرشِّ، وهي وسائل قادرة على توفير كميات ضخمة مقارنة بالطرق التقليدية. ويضيف أن الحكومة وفرت هذه التقنيات بأسعار مناسبة وبنظام تقسيط خالٍ من الفوائد، الأمر الذي يشكل فرصة يجب استغلالها، إلا أن نجاح هذه الخطوات يبقى مرهوناً بإرادة سياسية قوية وحملة توعية كبرى تشمل المواطنين والفلاحين على حدٍّ سواء.
ويشير الربيعي إلى أن معالجة الجفاف لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات الداخلية، بل يجب أن تمتد إلى تحرك دبلوماسي عاجل مع دول المنبع لاستخدام أدوات الضغط السياسي وإلزامها بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأنهار العابرة للحدود. كما دعا إلى رفع التجاوزات على مجاري دجلة والفرات وتبني سياسة تشريعية واضحة لاستقطاب الشركات الاستثمارية الكبرى، وخصوصاً الصينية، لإنشاء مشاريع زراعية حديثة تستفيد من التقنيات المتطورة وتقلل من الهدر.
وفي السياق ذاته، أعلنت الحكومة عن مبادرة وطنية لحماية نهري دجلة والفرات تضمنت مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية، أبرزها تعزيز قدرة تحلية المياه، وتطوير أنظمة ذكية لإدارة الموارد المائية تشمل العدادات الإلكترونية وأنظمة الكشف عن التسرب، إضافة إلى أتمتة تشغيل السدود ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها. وتأتي هذه الخطوات في وقت تؤكد فيه تقارير دولية أن العراق يواجه أشد أزمة مائية منذ ثمانين عاماً، حيث تراجعت احتياطياته إلى أدنى مستوياتها، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي والزراعي.
الخبير الاقتصادي نبيل الخفاجي يرى أن المبادرة الحكومية تمثل خطوة شاملة لصياغة إطار وطني وإقليمي لحماية الأمن المائي، إذ تسعى لتوحيد جهود العراق مع الدول المتشاطئة والمنظمات الدولية في إدارة الموارد المائية. ويشير الخفاجي في حديثه لـ”الصباح” إلى أن هذه المبادرة تحفز على اعتماد الابتكار والتقنيات الحديثة مثل التحلية المتطورة، أتمتة السدود، معالجة مياه الصرف، ومراقبة الجودة عبر أنظمة ذكية. لكنه ينتقد في الوقت نفسه غياب الاتفاقيات الملزمة مع دول المنبع، مؤكداً أن اتفاقية 2024 مع تركيا لم تتحول إلى التزام قانوني صارم، وبالتالي لا تضمن تدفقاً عادلاً للمياه. كما يرى أن الاعتماد على التعاون الجزئي من دون آليات تنفيذ واضحة يفرغ الجهود من مضمونها، في ظل تداخل الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والإقليم ونقص الخبرة الفنية والقانونية، وهي عوامل تضعف الموقف العراقي.
Share